حالات إغتصاب الأطفال في المغرب أرقام تدق ناقوس الخطر
في ظل تساهل القانون وتواطؤ التقاليد تتزايد جرائم الاغتصاب والسياحة الجنسية في حق الأطفال في المغرب، ويتزايد معها القلق من غياب ردع قانوني وتستر الأسر عليها تحت غطاء درء العار والفضيحة. ألغى العاهل المغربي العفو الذي أصدره عن إسباني مدان باغتصاب 11 طفلاً بعد مظاهرات عارمة في عدد من المدن المغربية في العام الجاري 2013 للتنديد بقرار العفو. وبحسب القصر الملكي فقد تمّ سحب العفو نظرا ًلحدوث "اختلالات"، ولـ"خطورة ما قام به المدان".
وئام أيضاً إحدى ضحايا الاستغلال الجنسي للأطفال في المغرب، انتشرت صورها في المغرب و خارجه وحظي الفيديو الذي يروي قصة اغتصابها الوحشي بنسبة مشاهدة عالية. القصة أثارت كالعادة استنكارا وسخطاً كبيراً في الشارع المغربي، خاصة أن الطفلة لم تتعرض لاعتداء جنسي فحسب بل أن الجاني عمد إلى تشويه وبتر أجزاء من وجهها وعنقها بواسطة منجل.
بدأت معاناة الطفلة الصغيرة ذات يوم حين كانت تلعب في أحد الحقول مع أخيها الأصغر في قرية شمال المغرب، قبل أن يباغتهما رجل خمسيني ليجر الطفلة إلى أحد الحقول ويعتدي عليها بوحشية متجاهلاً توسلاتها واستعطاف شقيقها الأصغر.
[مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين في عدد من المدن المغربية ضد قرار العفو الملكي عن مغتصب أطفال إسباني، تراجع إثرها القصر عن قرار العفو.]
قصة وئام أحيت مجدداً الجدل الدائر حول قضية الاغتصاب في المغرب، وخلفت مسيرات نظمتها جمعيات من المجتمع المدني المغربي وشارك فيها حقوقيون ومواطنون وفنانون مغاربة، وحملة أطلقتها أكثر من 130 جمعية مغربية لمحاربة الاستغلال الجنسي للأطفال.
ظاهرة في تزايد
وبحسب تقرير حقوقي صدر في المغرب، فإن ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال تتنامى بشكل كبير، وتتراوح أعمار الضحايا ما بين 5 و 14 سنة في أغلب الأحيان. 75 في المئة من المعتدين، بحسب التقرير، هم من أقارب الأطفال. وبشكل عام تشكل الاعتداءات الجنسية 80 بالمئة من حالات استغلال القاصرين في المغرب.
لكن الناشطة الحقوقية سعاد التوفي تشير إلى أن هناك نقصاً كبيراً فيما يتعلق بالدراسات السوسيولوجية والأونتربولوجية حول ظاهرة الاغتصاب، وهو ما يؤدي إلى غياب آلية لمتابعة الموضوع بشكل دقيق. وتضيف التوفي خلال حوار أجراه معها موقع قنطرة إلى أن أسباب كثيرة تتداخل فيما بينها هي التي تفسر تزايد الاعتداءات الجنسية على الأطفال، و منها غياب التأطير اللازم سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المؤسسة الإعلامية المغربية، وهو ما أدى إلى تغير كبير في منظومة القيم في المجتمع المغربي وتراجع ثقافة احترام الغير.
وتضيف: "أسس التربية السليمة غائبة داخل الأسرة المغربية، ودور الجمعيات الناشطة في هذا المجال تراجع أيضا مقارنة مع الماضي، كما أن دور المعلم أو المربي في المدرسة المغربية تغير اليوم مقارنة مع فترة السبعينات مثلا. وأمام كل هذا نجد ظواهر أشنع من الاغتصاب، بل تصل إلى حد قتل هؤلاء الأطفال أو المتاجرة بهم.
[تقول الناشطة الحقوقية خديجة رياضي إن تساهل القضاء مع مرتكبي جرائم اغتصاب الأطفال بل وإفلات بعضهم من العقاب يشجع على الاستمرار في هذه الاعتداءات. وبحسب تقرير حقوقي صدر في المغرب تتراوح أعمار الأطفال من ضحايا الاعتداءات الجنسية ما بين 5 و 14 سنة في أغلب الأحيان. 75 في المئة من المعتدين، بحسب التقرير، هم من أقارب الأطفال.]
وئام ليست سوى مجرد اسم ضمن قائمة طويلة، فقبلها خديجة وفاطمة الزهراء وأخريات تم الاعتداء على طفولتهن ومنهن من فارقن الحياة بعد اغتصابهن. وتخرج إلى النور بين الفينة والأخرى قصص عن الاغتصاب تثير ضجة واستنكارا ثم يختفي الحديث عن الموضوع.
تساهل القانون
لكن قصة أمينة الفيلالي التي انتحرت العام الماضي 2012 بعدما تم تزويجها بمغتصبها فتحت نقاشاً كبيراً حول الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي الذي يتيح للمغتصب الإفلات من عقوبة الاغتصاب إذا ما قبلت المغتصبة وأهلها بتزويجها له. ضغوط الشارع ووسائل الإعلام المحلية والدولية بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي اعتبرت استمرار العمل بهذا القانون اغتصاباً مزودجاً للضحايا، أدى إلى اتخاذ قرار بتغيير هذا الفصل وتعديله.
لكن هذه الخطوة لم تغير شيئا على أرض الواقع، فقد تكاثرت جرائم اغتصاب الأطفال وهو ما جعل منظمات من المجتمع المغربي تدق ناقوس الخطر وتطالب بتشديد عقوبة المغتصبين. وتقول خديجة رياضي، وهي ناشطة حقوقية مغربية، والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن السبب الرئيسي في ارتفاع ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال في المغرب هو تساهل القضاء معها. وتضيف: "القضاء في المغرب في وضعية متدهورة ويفتقر للنزاهة والكفاءة والاستقلالية، ولهذا فإن تساهله مع مرتكبي جرائم الاغتصاب بل وإفلات بعضهم من العقاب يشجع على الاستمرار في هذه الاعتداءات".
[بعد زيارة الملك الإسباني خوان كارلوس للمغرب جاء قرار الملك محمد السادس بالعفو عن مواطنين أسبان من بينهم مغتصب أطفال وتم التراجع عن قرار العفو عن المغتصِب بعد احتجاجات شعبية.]
"هناك حالات تثبت أن هناك مجرمين تم سجنهم بعقوبة الاغتصاب قبل أن يستفيدوا من العفو ويفرج عنهم ليعودوا إلى ارتكاب نفس الجرائم وهذا بسبب العقوبات المخففة في حق المغتصبين و غياب سياسة تحمي أمن المواطن بشكل عام".
لا تعتبرالناشطة الحقوقية خديجة رياضي تعديل هذا الفصل كافياً فباعتقادها أن المشكلة تكمن في القانون الجنائي المغربي برمته، "وينبغي إعادة صياغة المنظومة الجنائية في المغرب بشكل كامل فهي تحمل خللاً كبيراً والكثير من النواقص ولا تتوافق مع التزامات المغرب الدولية".
وتضيف رياضي أن جمعيات مغربية منضوية تحت لواء تحالف "ربيع الكرامة" أطلقت مشروع قانون جنائي جديد متكامل واقترحته على السلطات، "لكن الدولة المغربية ليست لديها إرادة سياسية لسن و تطبيق قوانين تجعلها تفي بالتزاماتها الدولية. للأسف المسؤولون لا يتحركون ولا يتجاوبون سوى تحت الضغط و مادام ليس هناك ضغط فستبقى الأمور على ما هي عليه".
[يقول النشطاء الحقوقيون إن استغلال الأطفال في إطار السياحة الجنسية يشهد ارتفاعا مخيفاً في المغرب رغم أن الدولة تنفي الأمر.]
السياح في قفص الاتهام
وبالإضافة إلى تساهل القانون مع مغتصبي الأطفال فإن قانون الإجهاض في المغرب يزيد الطين بلة، إذ يعاقب القانون المغربي على ارتكاب الإجهاض ما عدا في حالة وحيدة هي وجود حياة الأم في خطر. وتحولت قصص قاصرات تعرضن للاغتصاب الذي نتج عنه حمل إلى مآسي حقيقية قد تضطر فيها "الأم" الصغيرة إما لطرق الإجهاض التقليدي الذي قد يعرض حياتها وحياة الجنين معا للخطر أو الإجهاض السري الذي يتم أيضا في ظروف غير سليمة في بعض العيادات الطبية.
وتقول سعاد التوفي إن مشكلة الإجهاض في المغرب مرتبطة بالتشريع الجنائي "القانون المغربي لا يعترف بالمواطنة كامرأة بقدر ما يعترف بالآداب العامة، فالمرأة تعتبر الفاعلة وإن كانت هي الضحية، و لتبرير منع الإجهاض يتم استخدام مبررات دينية، ولهذا تتقبله فئة عريضة من المجتمع". وتضيف قائلة" ولكني لا أعتقد أن دين الإسلام السمح يسمح بأن تأتي طفلة مغتصبة بطفل آخر للحياة في تلك الوضعية لأن كليهما سيعاني كثيرا".
[تحول الغضب الشعبي ضد قرار العفو الملكي عن مواطن إسباني أدين باغتصاب 11 طفلا في المغرب، إلى أزمة سياسية وإلى مظاهرات احتجاجية ضد القرار. ما اضطر القصر إلى نفي علم الملك بجرائم المغتصب وإلغاء قرار العفو عنه.]
تزايد عدد السياح الوافدين على المغرب سواء من دول المشرق أو الدول الغربية ساهم إلى حد ما في تزايد حالات استغلال الأطفال جنسيا، و شهدت بعض محاكم المملكة قصص سياح أجانب أدينوا باستغلال أطفال مغاربة جنسيا سواء عبر الاعتداء عليهم أو ترويج أفلام و صور لهم في أوضاع جنسية. لكن رياضي تقول إن الخطير في هذه المسألة هو تساهل السلطات المغربية مع هؤلاء السياح، وتقول "معظمهم يفلت من العقاب بل ويتم تسهيل خروجه من المغرب ونادرا ما تتم متابعتهم".
وتضيف الناشطة الحقوقية أن استغلال الأطفال في إطار السياحة الجنسية يشهد ارتفاعا مخيفا في المغرب رغم أن الدولة تنفي الأمر، "هناك تحول لهذا النوع من السياحة من آسيا إلى المغرب، وبعض الجمعيات أفادت بوجود أرقام مرتفعة بهذا الخصوص بالإضافة إلى أن السلطات تتساهل كثيرا مع المتورطين".
[المقال يعاد نشره ضمن اتفاقية تعاون بين جدلية و"قنطرة"]